فصل: (سورة الشعراء: الآيات: 32- 33):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الشعراء: الآيات: 32- 33]:

{فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33)}.
{ثُعْبانٌ مُبِينٌ} ظاهر الثعبانية، لا شيء يشبه الثعبان، كما تكون الأشياء المزوّرة بالشعوذة والسحر. وروى أنها انقلبت حية ارتفعت في السماء قدر ميل، ثم انحطت مقبلة إلى فرعون، وجعلت تقول: يا موسى، مرني بما شئت. ويقول فرعون: أسألك بالذي أرسلك إلا أخذتها، فأخذها فعادت عصا {لِلنَّاظِرِينَ} دليل على أن بياضها كان شيئا يجتمع النظارة على النظر إليه، لخروجه عن العادة، وكان بياضا نوريا.
روي أنّ فرعون لما أبصر الآية الأولى قال: فهل غيرها؟ فأخرج يده فقال له: ما هذه؟ قال: يدك فما فيها؟ فأدخلها في إبطه ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشى الأبصار ويسدّ الأفق.

.[سورة الشعراء: الآيات: 34- 35]:

{قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ (35)}.
فإن قلت: ما العامل في {حَوْلَهُ}؟ قلت: هو منصوب نصبين: نصب في اللفظ، ونصب في المحل، فالعامل في النصب اللفظي ما يقدر في الظرف، والعامل في النصب المحلى وهو النصب على الحال: قال: ولقد تحير فرعون لما أبصر الآيتين، وبقي لا يدرى أي طرفيه أطول، حتى زلّ عنه ذكر دعوى الإلهية، وحط عن منكبيه كبرياء الربوبية، وارتعدت فرائصه، وانتفخ سحره خوفا وفرقا، وبلغت به الاستكانة لقومه الذين هم بزعمه عبيده وهو إلههم: أن طفق يؤامرهم ويعترف لهم بما حذر منه وتوقعه وأحسّ به من جهة موسى عليه السلام وغلبته على ملكه وأرضه، وقوله: {إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ} قول باهت إذا غلب ومتمحل إذا لزم {تَأْمُرُونَ} من المؤامرة وهي المشاورة. أو من الأمر الذي هو ضدّ النهى: جعل العبيد آمرين وربهم مأمورا لما استولى عليه من فرط الدهش والحيرة. وما ذا منصوب: إما لكونه في معنى المصدر، وإما لأنه مفعول به من قوله: أمرتك الخير.

.[سورة الشعراء: الآيات: 36- 37]:

{قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37)}.
قرئ: أرجئه وأرجه: بالهمز والتخفيف، وهما لغتان. يقال: أرجأته وأرجيته، إذا أخرته. ومنه: المرجئة، وهم الذين لا يقطعون بوعيد الفساق ويقولون: هم مرجئون لأمر اللّه. والمعنى: أخره ومناظرته لوقت اجتماع السحرة. وقيل: احبسه {حاشِرِينَ} شرطا يحشرون السحرة، وعارضوا قوله: {إن هذا الساحر} بقولهم: بكل سحار، فجاءوا بكلمة الإحاطة وصفة المبالغة، ليطامنوا من نفسه ويسكنوا بعض قلقه. وقرأ الأعمش: بكل ساحر.

.[سورة الشعراء: الآيات: 38- 40]:

{فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (40)}.
اليوم المعلوم: يوم الزينة. وميقاته: وقت الضحى، لأنه الوقت الذي وقته لهم موسى صلوات اللّه عليه من يوم الزينة في قوله: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} والميقات: ما وقت به، أي حدد من زمان أو مكان. ومنه: مواقيت الإحرام {هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ} استبطاء لهم في الاجتماع، والمراد منه: استعجالهم واستحثاثهم، كما يقول الرجل لغلامه: هل أنت منطلق: إذا أراد أن يحرّك منه ويحثه على الانطلاق، كأنما يخيل له أن الناس قد انطلقوا وهو واقف. ومنه قول تأبط شرا:
هل أنت باعث دينار لحاجتنا ** أو عبد ربّ أخا عون بن مخراق

يريد: ابعثه إلينا سريعا ولا تبطئ به {لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ} أي في دينهم إن غلبوا موسى، وعوف ومخراق: اسمان لرجلين. ويروى عون بالنون.
ولا نتبع موسى في دينه. وليس غرضهم باتباع السحرة، وإنما الغرض الكلى: أن لا يتبعوا موسى، فساقوا الكلام مساق الكناية لأنهم إذا اتبعوهم لم يكونوا متبعين لموسى عليه السلام.

.[سورة الشعراء: الآيات: 41- 42]:

{فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (41) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)}.
وقرئ: نعم، بالكسر، وهما لغتان. ولما كان قوله: {إِنَّ لَنا لَأَجْرًا} في معنى جزاء الشرط، لدلالته عليه، وكان قوله: {وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} معطوفا عليه ومدخلا في حكمه، دخلت إذا قارّة في مكانها الذي تقتضيه من الجواب والجزاء، وعدهم أن يجمع لهم إلى الثواب على سحرهم الذي قدروا أنهم يغلبون به موسى: القربة عنده والزلفى.

.[سورة الشعراء: الآيات: 43- 44]:

{قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (44)}.
أقسموا بعزة فرعون وهي من أيمان الجاهلية، وهكذا كل حلف بغير اللّه، ولا يصح في الإسلام إلا الحلف باللّه معلقا ببعض أسمائه أو صفاته، كقولك: باللّه، والرحمن، وربى، ورب العرش، وعزة اللّه، وقدرة اللّه، وجلال اللّه، وعظمة اللّه. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمّهاتكم ولا بالطواغيت، ولا تحلفوا إلا باللّه، ولا تحلفوا باللّه إلا وأنتم صادقون» ولقد استحدث الناس في هذا الباب في إسلامهم جاهلية نسيت لها الجاهلية الأولى، وذلك أنّ الواحد منهم لو أقسم بأسماء اللّه كلها وصفاته على شيء: لم يقبل منه، ولم يعتدّ بها حتى يقسم برأس سلطانه، فإذا أقسم به فتلك عندهم جهد اليمين التي ليس وراءها حلف لحالف.

.[سورة الشعراء: الآيات: 45- 48]:

{فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (46) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (48)}.
{ما يَأْفِكُونَ} ما يقلبونه عن وجهه وحقيقته بسحرهم وكيدهم، ويزوّرونه فيخيلون في حبالهم وعصيهم أنها حيات تسعى، بالتمويه على الناظرين أو إفكهم: سمى تلك الأشياء إفكا مبالغة. روى أنهم قالوا: إن يك ما جاء به موسى سحرا فلن يغلب، وإن كان من عند اللّه فلن يخفى علينا، فلما قذف عصاه فتلقفت ما أتوا به، علموا أنه من اللّه فآمنوا. وعن عكرمة رضي اللّه عنه: أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء. وإنما عبر عن الخرور بالإلقاء، لأنه ذكر مع الإلقاءات، فسلك به طريق المشاكلة. وفيه أيضا مع مراعاة المشاكلة أنهم حين رأوا ما رأوا، لم يتمالكوا أن رموا بأنفسهم إلى الأرض ساجدين، كأنهم أخذوا فطرحوا طرحا. فإن قلت: فاعل الإلقاء ما هو لو صرح به؟ قلت: هو اللّه عزّ وجل بما خوّلهم من التوفيق. أو إيمانهم. أو ما عاينوا من المعجزات الباهرة، ولك أن لا تقدّر فاعلا، لأنّ {أَلْقُوا} بمعنى خرّوا وسقطوا {رَبِّ مُوسى وَهارُونَ} عطف بيان لرب العالمين، لأنّ فرعون لعنة اللّه عليه كان يدعى الربوبية، فأرادوا أن يعزلوه. ومعنى إضافته إليهما في ذلك المقام: أنه الذي يدعو إليه هذان، والذي أجرى على أيديهما ما أجرى.

.[سورة الشعراء: آية 49]:

{قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49)}.
فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أي وبال ما فعلتم.

.[سورة الشعراء: الآيات: 50- 51]:

{قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)}.
الضر والضير والضور: واحد، أرادوا: لا ضرر علينا في ذلك، بل لنا فيه أعظم النفع لما يحصل لنا في الصبر عليه لوجه اللّه، من تكفير الخطايا والثواب العظيم، مع الأعواض الكثيرة.
أو لا ضير علينا فيما تتوعدنا به من القتل أنه لابد لنا من الانقلاب إلى ربنا بسبب من أسباب الموت. والقتل أهون أسبابه وأرجاها. أو لا ضير علينا في قتلك، إنك إن قتلتنا انقلبنا إلى ربنا انقلاب من يطمع في مغفرته ويرجو رحمته، لما رزقنا من السبق إلى الإيمان وخبر لا محذوف. والمعنى: لا ضير في ذلك، أو علينا {أَنْ كُنَّا} معناه: لأن كنا، وكانوا أوّل جماعة مؤمنين من أهل زمانهم، أو من رعية فرعون، أو من أهل المشهد. وقرئ: إن كنا، بالكسر وهو من الشرط الذي يجيء به المدلّ بأمره، المتحقق لصحته، وهم كانوا متحققين أنهم أوّل.

.قال الخازن:

قوله: {طسم}.
قال ابن عباس: عجزت العلماء عن علم تفسيرها وفي رواية أخرى عنه أنه قسم، وهو من أسماء الله تعالى وقيل اسم من أسماء القرآن، وقيل اسم السورة وقيل أقسم بطوله وسنائه وملكه {تلك آيات} أي هذه الآيات آيات {الكتاب المبين} قيل لما كان القرآن فيه دلائل التوحيد، والإعجاز الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ودلائل الأحكام أجمع ثبت بذلك أن آيات القرآن كافية مبينة لجميع الأحكام.
{لعلك باخع نفسك} أي قاتل نفسك {ألا يكونوا مؤمنين} أي إن لم يؤمنوا وذلك حين كذبه أهل مكة فشق عليه ذلك وكان يحرص على إيمانهم، فأنزل الله هذه الآية {إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين} أي لو شاء الله لأنزل عليهم آية يذلون منها فلا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية الله سبحانه وتعالى.
وقيل: معناه لو شاء الله لأراهم أمرًا من أمره لا يعمل أحد منهم بعده معصية.
فإن قلت: كيف صح مجيء خاضعين خبرًا عن الأعناق.
قلت أصل الكلام فظلوا لها خاضعين فأقحمت الأعناق لبيان الخضوع وترك الكلام على أصله أو لما، وصفت بالخضوع الذي هو للعقلاء قيل خاضعين.
وقيل: أعناق الناس رؤساؤهم ومقدموهم أي فظلت كبراؤهم لها خاضعين وقيل أراد بالأعناق الجماعات، يقال جاء عنق من الناس أي جماعة قوله تعالى {وما يأتيهم من ذكر من الرحمن} أي وعظ وتذكير {محدث} أي محدث إنزاله فهو محدث التنزيل وكلما نزل شيء من القرآن بعد شيء فهو أحدث من الأول {إلا كانوا عنه معرضين} أي عن الإيمان به {فقد كذبوا فسيأتيهم} أي فسوف يأتيهم {أنباء} أي أخبار وعواقب {ما كانوا به يستهزئون أولم يروا إلى الأرض} يعني المشركين {كم أنبتنا فيها} أي بعد أن لم يكن فيها نبات {من كل زوج كريم} أي جنس ونوع وصنف حسن من النبات مما يأكل الناس والأنعام، قال الشعبي: الناس من نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم ومن دخل النار فهو لئيم {إن في ذلك} أي الذي ذكر {لآية} تدل على أنه واحد أي دلالة على كمال قدرتنا وتوحيدنا كما قيل:
وفي كل شيء له آية ** تدل على أنه واحد

و{وما كان أكثرهم مؤمنين} أي سبق علمي فيهم أن أكثرهم لا يؤمنون ولا يصدقون.
{وإن ربك لهو العزيز} أي المنتقم من أعدائه {الرحيم} ذو الرحمة لأوليائه.
قوله تعالى {وإذ نادى} أي واذكر يا محمد إذ نادى {ربك موسى} أي حين رأى الشجرة والنار {أن ائت القوم الظالمين} يعني الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي وظلموا بني إسرائيل باستعبادهم وسومهم سوء العذاب {قوم فرعون} يعني القبط {ألا يتقون} أي يصرفون عن أنفسهم عقوبة الله بطاعته والإيمان به {قال} يعني موسى {رب} أي يا رب {إني أخاف أن يكذبون ويضيق صدري} أي بتكذيبهم إياي {ولا ينطلق لساني} أي للعقدة التي كانت على لسانه {فأرسل إلى هارون} ليوازرني ويعينني على تبليغ الرسالة {ولهم عليَّ ذنب} أي دعوى ذنب وهو قتله القبطي {فأخاف أن يقتلون} أي به {قال} الله تعالى {كلا} أي لن يقتلوك {فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون} أي سامعون ما تقولون وما يقال لكم.